كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وللبخاري «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقى من لحمها»، وقد أجمع جميع العلماء على أن ما صاده محرم لا يجوز أكله للمحرم الذي صاده، ولا لمحرم غيره، ولا لحلال غير محرم لأنه ميتة.
واختلف العلماء في أكل المحرم مما صاده حلال على ثلاثة أقوال، قيل: لا يجوز له الأكل مطلقًا، وقيل: يجوز مطلقًا، وقيل: بالتفصيل بين ما صاده لأجله، وما صاده لا لأجله فيمنع الأول دون الثاني.
واحتج أهل القول الأول بحديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم» متفق عليه، ولأحمد ومسلم «لحم حمار وحشي».
واحتجوا أيضًا بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أهدي له عضو من لحم صيد فرده، وقال: «إنا لا نأكله إنا حرم».
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
واحتجوا أيضًا بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أهدي له عضو من لحم صيد فرده، وقال: «إنا لا نأكله إنا حرم» أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
واحتجوا أيضًا بعموم قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، ويروى هذا القول عن علي وابن عباس وابن عمر، والليث والثوري وإسحاق وعائشة وغيرهم.
واحتج من قال: بجواز أكل المحرم ما صاده الحلال مطلقًا بعموم الأحاديث الواردة بجواز أكل المحرم من صيد الحلال، كحديث طلحة بن عبيد الله عند مسلم، والإمام أحمد أنه كان في قوم محرمين فأهدي لهم طير، وطلحة راقد، فمنهم من أكل ومنهم من تورع فلم يأكل فلما استيقظ طلحة رضي الله عنه وفق من أكله وقال: «أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وكحديث البهزي واسمه زيد بن كعب، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم في حمار وحشي عقير في بعض وادي الروحاء وهو صاحبه «شأنكم بهذا الحمار، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون»، أخرجه الإمامان مالك في موطئه وأحمد في مسنده، والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره، كما قاله ابن حجر، وممن قال بإباحته مطلقًا أبو حنيفة وأصحابه.
قال مقيده، عفا الله عنه: أظهر الأقوال وأقواها دليلًا، هو القول المفصل بين ما صيد لأجل المحرم، فلا يحل له، وبين ما صاده الحلال، لا لأجل المحرم، فإنه يحل له.
والدليل على هذا أمران:
الأول: أن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، ولا طريق للجمع إلا هذه الطريق.
ومن عدل عنها لابد أن يلغي نصوصًا صحيحة.
الثاني: أن جابرًا رضي الله عنه، روى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صيد البر لكم حلال، وأنتم حرم ما لم تصيدوه، أو يصد لكم»، رواه الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والدارقطني.
وقال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس، فإن قيل في غسناد هذا الحديث، عمرو بن أبي عمرو، مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن مولاه المطلب، عن جابر، وعمرو مختلف فيه، قال فيه النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك.
وقال الترمذي في مولاه المطلب أيضًا: لا يعرف له سماع من جابر، وقال فيه الترمذي أيضًا في موضع آخر قال محمد: لا أعرف له سماعًا من أحد من الصحابة، إلا قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالجواب أن هذا كله ليس فيه ما يقتضي رد هذا الحديث، لأن عمرًا المذكور ثقة، وهو من رجال البخاري ومسلم، وممن روى عنه مالك بن أنس، وكل ذلك يدل على أنه ثقة، وقال فيه ابن حجر في «التقريب»: ثقة ربما وهم، وقال فيه النووي في «شرح المهذب»: أما تضعيف عمرو بن أبي عمرو فغير ثابت، لأن البخاري، ومسلمًا رويا له في صحيحيهما، واحتجا به، وهما القدوة في هذا الباب.
وقد احتج به مالك، وروى عنه وهو القدوة، وقد عرف من عادته أنه لا يروي في كتابه إلا عن ثقة، وقال أحمد بن حنبل فيه: ليس به بأس، وقال ابو زرعة: هو ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
وقال ابن عدي: لا بأس به، لأن مالكًا روى عنه، ولا يروي مالك إلا عن صدوق ثقة، قلت: وقد عُرِف أن الجرح لا يثبت إلا مفسرًا، ولم يفسره ابن معين، والنسائي بما يثبت تضعيف عمرو المذكور، وقول الترمذي: إن مولاه المطلب بن عبد الله بن حنطب، لا يعرف له سماع من جابر، وقول البخاري للترمذي: لا أعرف له سماعًا من أحد من الصحابة إلا قوله: حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس في شيء من ذلك ما يقتضي رد روايته، لما قدمنا في سورة النساء من أن التحقيق هو الاكتفاء بالمعاصرة.
ولا يلزم ثبوت اللقي، وأحرى ثبوت السماع، كما أوضحه الإمام مسلم بن الحجاج- رحمه الله تعالى- في مقدمة صحيحه، بما لا مزيد عليه مع أن البخاري ذكر في كلامه هذا الذي نقله عنه الترمذي، أن المطلب مولى عمرو بن أبي عمرو المذكور، صرح بالتحديث ممن سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو تصريح بالسماع من بعض الصحابة بلا شك.
وقال النووي في «شرح المهذب»: وأما إدراك المطلب لجابر. فقال ابن أبي حاتم، وروى عن جابر قال: ويشبه أن يكون أدركه، هذا هو كلام ابن أبي حاتم، فحصل شك في إدراكه، ومذهب مسلم بن الحجاج الذي ادعى في مقدمة صحيحه الإجماع فيه أنه لا يشترط في اتصال الحديث اللقاء، بل يكتفي بإمكانه، والإمكان حاصل قطعًا، ومذهب علي بن المديني، والبخاري، والأكثرين اشتراط ثبوت اللقاء، فعلى مذهب مسلم الحديث متصل، وعلى مذهب الأكثرين يكون مرسلًا لبعض كبار التابعين، وقد سبق أن مرسل التابعي الكبير يحتج به عندنا إذا اعتضد بقول الصحابة. أو قول أكثر العلماء، أو غير ذلك مما سبق.
وقد اعتضد هذا الحديث، فقال به من الصحابة رضي الله عنهم، من سنذكره في فرع مذاهب العلماء اه، كلام النووي، فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور على كل التقديرات، على مذاهب الأئمة الأربعة.
لأن الشافعي منهم هو الذي لا يحتج بالمرسل، وقد عرفت احتجاجه بهذا الحديث على تقدير إرساله.
قال مقيده عفا الله عنه: نعم يشترط في قبول رواية «المدلس» التصريح بالسماع والمطلب المذكور مدلس، لكن مشهور مذهب مالك، وأبي حنيفة وأحمد- رحمهم الله تعالى- صحة الاحتجاج بالمرسل، ولاسيما إذا اعتضد بغيره كما هنا، وقد علمت من كلام النووي موافقة الشافعين.
واحتج من قال بأن المرسل حجة بأن العدل لا يحذف الواسطة مع الجزم بنسبة الحديث لمن فوقها، إلا وهو جازم بالعدالة والثقة فيمن حذفه، حتى قال بعض المالكية: إن المرسل مقدم على المسند. لأنه ما حذف الواسطة في المرسل إلا وهو متكفل بالعدالة والثقة فيما حذف بخلاف المسند، فإنه يحيل الناظر عليه، ولا يتكفل له بالعدالة والثقة، وإلى هذا أشار في «مراقي السعود» بقوله في مبحث المرسل:
وهو حجة ولكن رجحا ** عليه مسند وعكس صححا

ومن المعلوم أن من يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى، فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور عند مالك وأبي حنيفة وأحمد مع أن هذا الحديث له شاهد عند الخطيب وابن عدي من رواية عثمان بن خالد المخزومي، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، كما نقله ابن حجر في التلخيص وغيره وهو يقويه. وإن كان عثمان المذكور ضعيفًا لأن الضعيف يقوِّي المرسل، كما عُرف في علوم الحديث، فالظاهر أن حديث جابر هذا صالح، وأنه نص في محل النزاع، وهو جمع بين هذه الأدلة بعين الجمع الذي ذكرنا أولًا، فاتضح بهذا أن الأحاديث الدالة على منع أكل المحرم مما صاده الحلال كلها محمولة على أنه صاده من أجله، وأن الأحاديث الدالة على إباحة الأكل منه محمولة على أنه لم يصده من أجله، ولو صاده لأجل محرم معين حرم على جميع المحرمين خلافًا لمن قال: لا يحرم إلا على ذلك المحرم المعين الذي ضيد من أجله.
ويَروى هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم «أو يصَدْ لكم» ويدل للأول ظاهر قوله في حديث أبي قتادة، «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار لها؟ قالوا: لا، قال: فكلوه» فمفهومه أن إشارة واحد منهم تحرمه عليهم كلهم، ويدل له أيضًا ما روه أبو داود عن علي أنه دُعِيَ وهو محرم إلى طعام عليه صيد فقال «أطعموه حلالًا فإنا حرم»، وهذا مشهور مذهب مالك عند أصحابه مع اختلاف قوله في ذلك.
المسألة الثانية: لا تجوز زكاة المحرم للصيد بأن يذبحه مثلًا، فإن ذبحه فهو ميتة لا يحل أكله لأحد كائنًا من كان إذ لا فرق بين قتله بالعقر وقتله بالذبح، لعموم قوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وبهذا قال مالك وأصحابه كما نقله عنهم القرطبي وغيره، وبه قال الحسن، والقاسم وسالم، والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه، وقال الحكم والثوري وأبو ثور: لا بأس بأكله، قال ابن المنذر: هو بمنزلة ذبيحة السارق.
وقال عمرو بن دينار وأيوب السختياني يأكله الحلال، وهو أحد قولي الشافعي، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وغيره.
واحتج أهل هذا القول بأن من اباحت ذكاته غير الصيد أباحت الصيد كالحلال، والظاهر هو ما تقدم من أن ذبح المحرم لا يحل الصيد، ولا يعتبر ذكاة له، لأن قتل الصيد حرام عليه، ولأن ذكاته لا تحل له هو أكله إجماعًا، وإذا كان الذبح لا يفيد الحل للذابح، فأولى وأحرى ألا يفيد لغيره، لأن الفرع تبع للأصل في أحكامه، فلا يصح أن يثبت له ما لا يثبت لأصله، قاله القرطبي، وهو ظاهر.
المسالة الثالثة: الحيوان البري ثلاثة أقسام: قسم هو صيد إجماعًا، وهو ما كالغزال من كل وحشي حلال الأكل، فيمنع قتله للمحرم، وإن قتله فعليه الجزاء. وقسم ليس بصيد إجماعًا، ولا بأس بقتله، وقسم اختلف فيه.
أما القسم الذي لا بأس بقتله، وليس بصيد إجماعًا فهو الغراب، والحدأة والعقرب، والفأرة، والكلب العقور.
وأما القسم الذي لا بأس بقتله، وليس بصيد إجماعًا فهو الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور.
وأما القسم المختلف فيه: فكالأسد، والنمر، والفهد والذئب، وقد روى الشيخان في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل، والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور».
وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح» ثم عد الخمس المذكورة آنفًا، ولا شك أن الحية أولى بالقتل من العقرب.
وقد أخرج مسلم عن ابن مسعود «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر مُحْرِمًا بقتل حية بمنى»، وعن ابن عمرو سئل: ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال: «حدثتني إحدى نسوة النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحدأة، والغراب، والحية» رواه مسلم أيضًا.
والأحاديث في الباب كثيرة، والجاري على الأصول تقييد الغراب بالأبقع، وهو الذي فيه بياض، لما روى مسلم من حديث عائشة في عد الفواسق الخمس المذكورة، والغراب الأبقع. والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، وما أجاب به بعض العلماء من أن روايات الغراب بالإطلاق متفق عليها، فهي أصح من رواية القيد بالأبقع لا ينهض، إذ لا تعارض بين مقيد ومطلق، لأن القيد بيان للمراد من المطلق.
ولا عبرة بقول عطاء، ومجاهد، بمنع قتل الغراب للمحرم، لأنه خلاف النص الصريح الصحيح، وقول عامة أهل العلم، ولا عبرة أيضًا بقول إبراهيم النخعي: أن في قتل الفأرة جزاء لمخالفته أيضًا للنص، وقول عامة العلماء، كما لا عبرة أيضًا بقول الحكم، وحماد، «لا يقتل المحرم العقرب، ولا الحية» ولا شك أن السباع العادية كالأسد، والنمر، والفهد، أولى بالقتل من الكلب، لنها أقوى منه عقرًا، وأشد منه فتكًا.